* العيد وجدتي *
بقلم
بهنـام سليمـان متي
سان دييغو ــ كاليفورنيـا ــ امريكـا
تقديم
حنـاني ميــــــا
ميونيـــخ ـــ المـانيــــــا
الأستاذ بهنـام سليمـان متي ،، ابو ذكرى ،، مربي كبير خدم التعليم اكثر من ثلاثة عقود ، وهو كاتب واديب معروف وله نتاجـات ثقافية كثيرة في العراق والمهجر ، وهو من كرمليس بمحافظة نينوى .
جـاء العيد ومضى ، فذكرني وانـا في ديـار المهجر بـايام جدتي ، هل تعرف من هي جدتي ...؟؟؟ جدتي وجدتكم ، امي وامكم ، ساحكي لكم شيئـا عنهـا ، عن تلك المراءة الساذجة التي لم تدخل يومـا مدرسة ، لأن المدرسة لم يكن لهـا اثر يومذاك ، ولا تلقت علمـا لأن العلم كان بعيدا عنهـا ، لكنهـا رغم ذلك كانت مدرسة كبيرة ، علمتهـا الحيـاة امورا كثيرة ... علمتها الصدق في التعامل ، والصبر في الملمـات علمتهـا ايضـا كيف تربي الأولاد والأحفـاد ، وترضعهم لبـان العفة والفضيلة ، وكيف تمسك بزمـام البيت الكبير وتهتم بالزوج ، وتتعـامل مع الأهل والجـار وكيف تظل بـاسمة الثغر ، ضاحكة الوجه ، ترضى بالقليل ولا تطمح الى الكثير ، سعـادتهـا تنبع من قنـاعتهـا ، وذلك الأكتفـاء الذاتي الذي كان يزيد من شموخهـا ... وعندمـا يقبل العيد تتحول هي وبنـاتهـا الى خلية نحل دؤوبة ، تخيط ثوبـا لهذا ، وتحيك قميصـا لتلك ، تخبز الكعك للصغـار ، وتطهي لذيذ الطعـام للكبـار ، حتى تدخل الفرحة الى كل قلب ، وتضع البسمة على كل شفة ، فيكون العيد حلو المذاق ، في افواه بنيهـا وبنـاتهـا ... كـان العيد ايـام جدتي ، يختلف عن ايـام العيد في عهدنـا هذا ، وكانت تلك الأيـام بعيدة موغلة في عمق الزمن ، تعيشهـا جدتي في قريتهـا الصغيرة ، هل تتذكر قرانـا المتنـاثرة في شمال الوطن كزهور الربيع تنضح مـاء وعطرا ...؟؟؟ كانت قرية جدتي هي دنيـاهـا الكبيرة وعـالمهـا الذي لا ينتهي ، فكانت حبيبة لقلبهـا فخورة بصغـائرهـا وكبائرهـا ، لا جديد عندهـا الا الأعياد والمنـاسبات ، ومـا خلاهـــا فالأيـام هي هي لا يختلف الواحد منهـا عن الآخر ، الا بمـا يتسم به من تغير في المنـاخ ، الأعياد كانت توقظ القرية من سباتهـا وتخرجهـا من دهاليز الصمت والرتـابة الى عالم الحركة والأنشغال ، فذاك هو ،، الميلاد ،، المتسم بالبرد والرعد والمطر ، و ،، الدنح ،، المقرون بالريح الصرصر ، و ،، الفصح ،، المغلف باءريج الزهر ، وليلة القيامة والبدر اغر ، ثم عيد ،، العذراء ،، حافظة الزروع يذكرك بالصيف الواقف على الأبواب والسنابل المحملة بخبز الأيـام ،وسواهـا كثير كثير من مواسم الفرح التي تعرفهـا جدتي ولا تغيب عنهـا ، لأنهـا كانت ايـامـا متميزة لديهـا ، فالعيد قبل كل شئ ... تسامح ومحبة وفداء ، لا ضغينة ولا حقد ولا بغضاء ... العيد ان تكون والأهل والجـار على مودة وصفاء ... ان يغسل كل امرئ قلبه من الأثام ويعود الى طفولته ينهل منهـا النقاء ، ويهرع الى اخيه طالبـا الصفح والمغفرة ، ان كان قد اساء له من حيث لا يدري ، فلا عيد والنفوس كدرة ، ولا افراح والوجوه عبسة ، فهم جدتي ، هم كل الطيبين في ذلك الزمـان ، ان تسير الحياة في دنياهم رخية ، وان تبقى لياليهم حبلى بالأفراح ، كانت جدتي ايـام العيد تبسط خيرها على الجميع ، تحلب اغنـامها وابقـارهـا ، وتوزع لبنهـا وجبنهـا وزبدهـا على الأهل والخلان ، كانت جيوبهـا دومـا مليئة بالزبيب والتين واصابع السكر ، واني لأتذكرهـا اليوم وهي تجمعنـا تحت ذراعيهـا ، وتذيقنـا من تلك الأصناف مـا لذ وطـاب ، لقد ذهبت جدتي رحمهـا الله وذهبت ايـامهـا معهـا ، نـاءى الخير ، وعز الرفـاه ، واسود وجه الزمـان ، وتغير كل شئ ، واصبحنـا رهـائن المـادة ، ، تطبق على اعنـاقنـا وترمينـا في دوامة الحياة ، فننسى الكثير من ممـا تفرضه علينـا انسانيتنـا ، يـا ترى مـاذا فعلنـا للعيد ...؟؟؟ وهل استقبلنـاه بمثل مـا كانت جدتي تستقبله ...؟؟؟ هل غسلنـا نفوسنا من ادران الخطيئة ، وتخلصنـا من نزعة الأنـانية ، وكففنـا عن احـاقة المكر السئ ببني جنسنـا ...؟؟؟ هل تذكرنـا اهلا لنـا هناك في الوطن العزيز يبيتون على الطوى وهم الأعزاء الكرام ...؟؟؟ وهل مسحنـا الدموع من مـاقيهم بمحبتنا ، وطيبنـا جراحهم بزيت قلوبنـا ، ومددنـا لهم يد العون ...؟؟؟ لنرجع الى ضمـائرنـا فنرى مـاذا اخذنـا في هذا العيد ...؟؟؟ ان مفهوم العيد ايـام جدتي القروية كان ... ان تفرح وتفرح معك الناس ... ان تقف في محراب الله نظيفـا نقيـا من اوشاب الغيرة والحسد ، لتقدم للرب قرابين الخير ، فهل حققنـا اليوم بعضـا من رسالة تلك المراءة الفاضلة ...؟؟؟ لست ادري ...إإإ
--------------------------------------------------------------------------------
بقلم
بهنـام سليمـان متي
سان دييغو ــ كاليفورنيـا ــ امريكـا
تقديم
حنـاني ميــــــا
ميونيـــخ ـــ المـانيــــــا
الأستاذ بهنـام سليمـان متي ،، ابو ذكرى ،، مربي كبير خدم التعليم اكثر من ثلاثة عقود ، وهو كاتب واديب معروف وله نتاجـات ثقافية كثيرة في العراق والمهجر ، وهو من كرمليس بمحافظة نينوى .
جـاء العيد ومضى ، فذكرني وانـا في ديـار المهجر بـايام جدتي ، هل تعرف من هي جدتي ...؟؟؟ جدتي وجدتكم ، امي وامكم ، ساحكي لكم شيئـا عنهـا ، عن تلك المراءة الساذجة التي لم تدخل يومـا مدرسة ، لأن المدرسة لم يكن لهـا اثر يومذاك ، ولا تلقت علمـا لأن العلم كان بعيدا عنهـا ، لكنهـا رغم ذلك كانت مدرسة كبيرة ، علمتهـا الحيـاة امورا كثيرة ... علمتها الصدق في التعامل ، والصبر في الملمـات علمتهـا ايضـا كيف تربي الأولاد والأحفـاد ، وترضعهم لبـان العفة والفضيلة ، وكيف تمسك بزمـام البيت الكبير وتهتم بالزوج ، وتتعـامل مع الأهل والجـار وكيف تظل بـاسمة الثغر ، ضاحكة الوجه ، ترضى بالقليل ولا تطمح الى الكثير ، سعـادتهـا تنبع من قنـاعتهـا ، وذلك الأكتفـاء الذاتي الذي كان يزيد من شموخهـا ... وعندمـا يقبل العيد تتحول هي وبنـاتهـا الى خلية نحل دؤوبة ، تخيط ثوبـا لهذا ، وتحيك قميصـا لتلك ، تخبز الكعك للصغـار ، وتطهي لذيذ الطعـام للكبـار ، حتى تدخل الفرحة الى كل قلب ، وتضع البسمة على كل شفة ، فيكون العيد حلو المذاق ، في افواه بنيهـا وبنـاتهـا ... كـان العيد ايـام جدتي ، يختلف عن ايـام العيد في عهدنـا هذا ، وكانت تلك الأيـام بعيدة موغلة في عمق الزمن ، تعيشهـا جدتي في قريتهـا الصغيرة ، هل تتذكر قرانـا المتنـاثرة في شمال الوطن كزهور الربيع تنضح مـاء وعطرا ...؟؟؟ كانت قرية جدتي هي دنيـاهـا الكبيرة وعـالمهـا الذي لا ينتهي ، فكانت حبيبة لقلبهـا فخورة بصغـائرهـا وكبائرهـا ، لا جديد عندهـا الا الأعياد والمنـاسبات ، ومـا خلاهـــا فالأيـام هي هي لا يختلف الواحد منهـا عن الآخر ، الا بمـا يتسم به من تغير في المنـاخ ، الأعياد كانت توقظ القرية من سباتهـا وتخرجهـا من دهاليز الصمت والرتـابة الى عالم الحركة والأنشغال ، فذاك هو ،، الميلاد ،، المتسم بالبرد والرعد والمطر ، و ،، الدنح ،، المقرون بالريح الصرصر ، و ،، الفصح ،، المغلف باءريج الزهر ، وليلة القيامة والبدر اغر ، ثم عيد ،، العذراء ،، حافظة الزروع يذكرك بالصيف الواقف على الأبواب والسنابل المحملة بخبز الأيـام ،وسواهـا كثير كثير من مواسم الفرح التي تعرفهـا جدتي ولا تغيب عنهـا ، لأنهـا كانت ايـامـا متميزة لديهـا ، فالعيد قبل كل شئ ... تسامح ومحبة وفداء ، لا ضغينة ولا حقد ولا بغضاء ... العيد ان تكون والأهل والجـار على مودة وصفاء ... ان يغسل كل امرئ قلبه من الأثام ويعود الى طفولته ينهل منهـا النقاء ، ويهرع الى اخيه طالبـا الصفح والمغفرة ، ان كان قد اساء له من حيث لا يدري ، فلا عيد والنفوس كدرة ، ولا افراح والوجوه عبسة ، فهم جدتي ، هم كل الطيبين في ذلك الزمـان ، ان تسير الحياة في دنياهم رخية ، وان تبقى لياليهم حبلى بالأفراح ، كانت جدتي ايـام العيد تبسط خيرها على الجميع ، تحلب اغنـامها وابقـارهـا ، وتوزع لبنهـا وجبنهـا وزبدهـا على الأهل والخلان ، كانت جيوبهـا دومـا مليئة بالزبيب والتين واصابع السكر ، واني لأتذكرهـا اليوم وهي تجمعنـا تحت ذراعيهـا ، وتذيقنـا من تلك الأصناف مـا لذ وطـاب ، لقد ذهبت جدتي رحمهـا الله وذهبت ايـامهـا معهـا ، نـاءى الخير ، وعز الرفـاه ، واسود وجه الزمـان ، وتغير كل شئ ، واصبحنـا رهـائن المـادة ، ، تطبق على اعنـاقنـا وترمينـا في دوامة الحياة ، فننسى الكثير من ممـا تفرضه علينـا انسانيتنـا ، يـا ترى مـاذا فعلنـا للعيد ...؟؟؟ وهل استقبلنـاه بمثل مـا كانت جدتي تستقبله ...؟؟؟ هل غسلنـا نفوسنا من ادران الخطيئة ، وتخلصنـا من نزعة الأنـانية ، وكففنـا عن احـاقة المكر السئ ببني جنسنـا ...؟؟؟ هل تذكرنـا اهلا لنـا هناك في الوطن العزيز يبيتون على الطوى وهم الأعزاء الكرام ...؟؟؟ وهل مسحنـا الدموع من مـاقيهم بمحبتنا ، وطيبنـا جراحهم بزيت قلوبنـا ، ومددنـا لهم يد العون ...؟؟؟ لنرجع الى ضمـائرنـا فنرى مـاذا اخذنـا في هذا العيد ...؟؟؟ ان مفهوم العيد ايـام جدتي القروية كان ... ان تفرح وتفرح معك الناس ... ان تقف في محراب الله نظيفـا نقيـا من اوشاب الغيرة والحسد ، لتقدم للرب قرابين الخير ، فهل حققنـا اليوم بعضـا من رسالة تلك المراءة الفاضلة ...؟؟؟ لست ادري ...إإإ
--------------------------------------------------------------------------------