18
أغلب ضحاياها فتيات معاقات
'السجون المنزلية' هل تتحول إلى ظاهرة اجتماعية في سوريا ؟
حوادث عزل أفراد غير مرغوب فيهم داخل دهاليز وغرف مظلمة تتكرر في سوريا مثيرة ضجة اعلامية كبيرة.
ميدل ايست اونلاين
دمشق – من حسن سلمان
يبدو أن "السجون المنزلية" باتت تشكل ظاهرة عالمية بعد الكشف عن عدة حوادث في عدد من الدول الغربية، غير أن الجديد في هذا الأمر هو انتشار تلك الظاهرة في مجتمعاتنا العربية، حيث تم الكشف مؤخرا عن عدة حوادث من هذا النوع في سوريا، ويخشى المراقبون أن تتحول تلك الحوادث إلى ظاهرة اجتماعية بعد ظهور حالات جديدة في عدة مدن سورية.
وذكر موقع "سيريا نيوز" أن قوات الأمن السورية عثرت مؤخرا في إحدى القرى التابعة لمدينة إدلب (شمال سوريا) على فتاة تدعى سمر (20 عاما) في غرفة لا تتجاوز مساحتها ثلاثة أمتار، سجنها فيها والدها منذ عشرة سنوات.
وتعود أسباب الحادث -حسب الموقع- إلى وفاة والدة سمر قبل 10 سنوات ولجوء الأب إلى سجنها في غرفة مظلمة تفتقر لجميع الشروط الصحية، بسبب الضغط المتكرر من زوجته التي رفضت أن تعتني بها.
في ذات السياق، لم تشفع الإعاقة للطفلة منال (10 سنوات) التي تعاني شللا دماغيا، لكنها حولتها هي الأخرى إلى نزيلة "السجن المنزلي"، بعد لجوء والدها لسجنها في غرفة صغيرة مظلمة.
فيما ذكرت صحيفة تشرين الرسمية أن قوات الأمن السوري عثرت في قرية "الكريم" غربي مدينة السلمية (غرب سوريا) على فتاة أخرى في حجرة مجاورة لمنزل والدها، مشيرة إلى أن الأب اعترف بتقييد ابنته وسجنها لمدة 8 سنوات في غرفة منفردة، مبررا ذلك بأنها "غير واعية، وخوفاً عليها من الخروج من المنزل".
وتتعدد آراء المجتمع السوري حول أسباب نشوء هذه الحوادث التي باتت تعرف "بالسجون المنزلية"، حيث يردها البعض إلى العادات والتقاليد البالية في حين يعتقد الآخرون أنها نتيجة مشاكل اجتماعية عارضة، فيما يرفض البعض الآخر تصديقها معتبرا ذلك مجرد "فرقعة إعلامية".
محمد حيدر (موظف) يؤكد أنه سمع بقصص مشابهة منذ زمن بعيد، مشيرا إلى أن هذه "الظاهرة" ليست غريبة على بعض المجتمعات النائية في سوريا، والتي لا زالت متمسكة بعادات وتقاليد بالية تعتبر الأنثى "ضلعا قاصرا"، وهي برأيه امتداد لتقاليد الجاهلية المتعلقة بوأد الأنثى.
ويطالب حيدر بأقسى العقوبات على الجاني الذي يصفه بأنه لا يمتلك أي حسّ إنساني، مشيرا إلى أن العقوبات القاسية قد تمنع وقوع مثل هذه الحوادث.
ليلى سعيد (طالبة إعلام) لا تنفي وجود هذه الحوادث، لكنها ترفض تسميتها بـ"ظاهرة"، مشيرة إلى أن بعض وسائل الإعلام المحلية تحاول كسب المزيد من الجمهور عبر إحداث "فرقعة إعلامها" حسب تعبيرها، بدليل أن هذه الحوادث أحدثت جدلا كبيرا في الشارع السوري، فضلا عن الكمّ الكبير من التعليقات التي نشرت في عدد من المواقع الإلكترونية السورية.
المحامي فادي أحمد يشير إلى وجود قضايا مشابهة من حيث لجوء أحد الوالدين لتعذيب أحد أبنائه نتيجة وجود عاهة خلقية لديه، ويردّ ذلك إلى عدد من الأسباب، أبرزها الضغط الذي تمارسه زوجة الأب للتخلص من أبنائه، إضافة إلى وجود رواسب لدى بعض الأسر في المناطق النائية تتلخص بوجود "معتقدات لدى الأهل بوجود جان متلبّس بالابن، لينتهي بهم الأمر إلى أحد المشعوذين الذي يزيد الطين بلة وقد يؤدي إلى جنون الابن."
الباحث الاجتماعي الدكتور طلال مصطفى يقول في قراءته للحوادث السابقة "أعتقد أن ثمة حالة مرضية عند الأب وزوجته، ولو أني أستغرب قيام شخص لديه حس أبوي بهذا التصرف، لأنه أمر مستغرب في علم الاجتماع، ولكن ثمة مبرر أجده منطقيا -نوعا ما- وهو قيام أغلب هذه الحوادث في مناطق ريفية بدوية، إضافة إلى كون الفتاة في أغلب الحالات مُعاقة، وعادة في هذه المجتمعات ثمّة رواسب مستمرة من الماضي، حيث كان الطفل المعاق عادة ما يتم التخلص منه بطريقة ما تنتهي بموته، ونلاحظ أن الأهل هنا اختاروا التخلص من الفتاة عن طريق حبسها وعدم إظهارها أمام المجتمع المحلي".
غير أن مصطفى الذي يُقر بوجود مثل هذه الحالات في عدد من المجتمعات، يؤكد أنه من الخطأ اعتبارها ظاهرة اجتماعية في سوريا ، مبررا ذلك بأنها "قليلة جدا في المجتمع السوري ولا نستطيع تعميمها على كافة الأسر التي تحدث فيها حالات طلاق وزواج ثاني".
ويضيف: "أعتقد أننا نستطيع بالدراسة المعمّقة لشخصية الأب والزوجة المرضيّة أن نتوصل إلى العوامل الاجتماعية والنفسية التي قادتهما إلى ممارسة العنف بكافة أنواعه (الجسدي والمعنوي والنفسي)، بحيث لم يبق لديها أي جانب إنساني للتعامل مع الضحية".
ويقول مصطفى إن الحالات السابقة كانت موجودة بشكل أكبر في المجتمع السوري في مرحلة الخمسينيات والستينيات، لكن لم يتم الكشف عنها، مشيرا إلى أنه "بسبب التقدم التقني في العصر الحالي، وإمكانية التواصل الاجتماعي والمعرفي بتنا نسمع بهذه الحالات بشكل أكبر، لكنها تلقى عادة مزيدا من الاستهجان والرفض الاجتماعي والإنساني، نتيجة انتشار ثقافة حقوق الإنسان ونشوء المنظمات الأهلية التي تناضل ضد العنف بجميع أشكاله".
مع تحيات ابو فرات
أغلب ضحاياها فتيات معاقات
'السجون المنزلية' هل تتحول إلى ظاهرة اجتماعية في سوريا ؟
حوادث عزل أفراد غير مرغوب فيهم داخل دهاليز وغرف مظلمة تتكرر في سوريا مثيرة ضجة اعلامية كبيرة.
ميدل ايست اونلاين
دمشق – من حسن سلمان
يبدو أن "السجون المنزلية" باتت تشكل ظاهرة عالمية بعد الكشف عن عدة حوادث في عدد من الدول الغربية، غير أن الجديد في هذا الأمر هو انتشار تلك الظاهرة في مجتمعاتنا العربية، حيث تم الكشف مؤخرا عن عدة حوادث من هذا النوع في سوريا، ويخشى المراقبون أن تتحول تلك الحوادث إلى ظاهرة اجتماعية بعد ظهور حالات جديدة في عدة مدن سورية.
وذكر موقع "سيريا نيوز" أن قوات الأمن السورية عثرت مؤخرا في إحدى القرى التابعة لمدينة إدلب (شمال سوريا) على فتاة تدعى سمر (20 عاما) في غرفة لا تتجاوز مساحتها ثلاثة أمتار، سجنها فيها والدها منذ عشرة سنوات.
وتعود أسباب الحادث -حسب الموقع- إلى وفاة والدة سمر قبل 10 سنوات ولجوء الأب إلى سجنها في غرفة مظلمة تفتقر لجميع الشروط الصحية، بسبب الضغط المتكرر من زوجته التي رفضت أن تعتني بها.
في ذات السياق، لم تشفع الإعاقة للطفلة منال (10 سنوات) التي تعاني شللا دماغيا، لكنها حولتها هي الأخرى إلى نزيلة "السجن المنزلي"، بعد لجوء والدها لسجنها في غرفة صغيرة مظلمة.
فيما ذكرت صحيفة تشرين الرسمية أن قوات الأمن السوري عثرت في قرية "الكريم" غربي مدينة السلمية (غرب سوريا) على فتاة أخرى في حجرة مجاورة لمنزل والدها، مشيرة إلى أن الأب اعترف بتقييد ابنته وسجنها لمدة 8 سنوات في غرفة منفردة، مبررا ذلك بأنها "غير واعية، وخوفاً عليها من الخروج من المنزل".
وتتعدد آراء المجتمع السوري حول أسباب نشوء هذه الحوادث التي باتت تعرف "بالسجون المنزلية"، حيث يردها البعض إلى العادات والتقاليد البالية في حين يعتقد الآخرون أنها نتيجة مشاكل اجتماعية عارضة، فيما يرفض البعض الآخر تصديقها معتبرا ذلك مجرد "فرقعة إعلامية".
محمد حيدر (موظف) يؤكد أنه سمع بقصص مشابهة منذ زمن بعيد، مشيرا إلى أن هذه "الظاهرة" ليست غريبة على بعض المجتمعات النائية في سوريا، والتي لا زالت متمسكة بعادات وتقاليد بالية تعتبر الأنثى "ضلعا قاصرا"، وهي برأيه امتداد لتقاليد الجاهلية المتعلقة بوأد الأنثى.
ويطالب حيدر بأقسى العقوبات على الجاني الذي يصفه بأنه لا يمتلك أي حسّ إنساني، مشيرا إلى أن العقوبات القاسية قد تمنع وقوع مثل هذه الحوادث.
ليلى سعيد (طالبة إعلام) لا تنفي وجود هذه الحوادث، لكنها ترفض تسميتها بـ"ظاهرة"، مشيرة إلى أن بعض وسائل الإعلام المحلية تحاول كسب المزيد من الجمهور عبر إحداث "فرقعة إعلامها" حسب تعبيرها، بدليل أن هذه الحوادث أحدثت جدلا كبيرا في الشارع السوري، فضلا عن الكمّ الكبير من التعليقات التي نشرت في عدد من المواقع الإلكترونية السورية.
المحامي فادي أحمد يشير إلى وجود قضايا مشابهة من حيث لجوء أحد الوالدين لتعذيب أحد أبنائه نتيجة وجود عاهة خلقية لديه، ويردّ ذلك إلى عدد من الأسباب، أبرزها الضغط الذي تمارسه زوجة الأب للتخلص من أبنائه، إضافة إلى وجود رواسب لدى بعض الأسر في المناطق النائية تتلخص بوجود "معتقدات لدى الأهل بوجود جان متلبّس بالابن، لينتهي بهم الأمر إلى أحد المشعوذين الذي يزيد الطين بلة وقد يؤدي إلى جنون الابن."
الباحث الاجتماعي الدكتور طلال مصطفى يقول في قراءته للحوادث السابقة "أعتقد أن ثمة حالة مرضية عند الأب وزوجته، ولو أني أستغرب قيام شخص لديه حس أبوي بهذا التصرف، لأنه أمر مستغرب في علم الاجتماع، ولكن ثمة مبرر أجده منطقيا -نوعا ما- وهو قيام أغلب هذه الحوادث في مناطق ريفية بدوية، إضافة إلى كون الفتاة في أغلب الحالات مُعاقة، وعادة في هذه المجتمعات ثمّة رواسب مستمرة من الماضي، حيث كان الطفل المعاق عادة ما يتم التخلص منه بطريقة ما تنتهي بموته، ونلاحظ أن الأهل هنا اختاروا التخلص من الفتاة عن طريق حبسها وعدم إظهارها أمام المجتمع المحلي".
غير أن مصطفى الذي يُقر بوجود مثل هذه الحالات في عدد من المجتمعات، يؤكد أنه من الخطأ اعتبارها ظاهرة اجتماعية في سوريا ، مبررا ذلك بأنها "قليلة جدا في المجتمع السوري ولا نستطيع تعميمها على كافة الأسر التي تحدث فيها حالات طلاق وزواج ثاني".
ويضيف: "أعتقد أننا نستطيع بالدراسة المعمّقة لشخصية الأب والزوجة المرضيّة أن نتوصل إلى العوامل الاجتماعية والنفسية التي قادتهما إلى ممارسة العنف بكافة أنواعه (الجسدي والمعنوي والنفسي)، بحيث لم يبق لديها أي جانب إنساني للتعامل مع الضحية".
ويقول مصطفى إن الحالات السابقة كانت موجودة بشكل أكبر في المجتمع السوري في مرحلة الخمسينيات والستينيات، لكن لم يتم الكشف عنها، مشيرا إلى أنه "بسبب التقدم التقني في العصر الحالي، وإمكانية التواصل الاجتماعي والمعرفي بتنا نسمع بهذه الحالات بشكل أكبر، لكنها تلقى عادة مزيدا من الاستهجان والرفض الاجتماعي والإنساني، نتيجة انتشار ثقافة حقوق الإنسان ونشوء المنظمات الأهلية التي تناضل ضد العنف بجميع أشكاله".
مع تحيات ابو فرات